( بحر البسيط )
شعر : حمد الراشدي
مسقط
٢٢ ربيع الآخر ١٤٤٦ هـ - ٢٦ أكتوبر ٢٠٢٤ م
حَيُّوا المَدارسَ إذْ تَنْمو بها الفِكَرُ
ويُرْفَعُ الإسْمُ مَوْصولاً بهِ الخَبَرُ
حَيّوا بها العِلْمَ والطُّلّابُ ناظِرةٌ
حيثُ التَّزَوُّدُ لا تُقْصى لهُ صُوَرُ
تلكَ المعالِمُ إذ تَبْدو بَيارِقُها
فَيُوقَنُ الظَّنُّ ألاّ جَهْلَ يُعْتَمَرُ
وأَنّ للطالبِينَ العِلْمَ مَوْرِدُهُ
هٰذي البِحارُ ولا تَفْنىٰ بها الدُّرَرُ
وبَيْنَ جُدْرانِها هَدْيٌ ومَعْرِفةٌ
ولِلمَعالي كما للِعلمِ مُنْتَفَرُ
متى مَرَرْتُ على صَرْحٍ لمَدْرسةٍ
هِبْتُ الجِوارَ ومَا يِحْوي ومَنْ حَضَروا
تَنَفَّسَتْ كبِدي والحُلْمُ أيْقَظَها
والسّمْعُ مِنْ جَرَسٍ بالرَّنِّ يَنْغَمِرُ
وكيْف لا وهُناك النُّورُ مَوْلدُهُ
ومَشْرَعُ العَقْلِ إذْ يَرْوي ويَنْزَهِرُ
ومنْبَتُ الفِكْرِ إذْ تُسْقىٰ فسائلهُ
حتى إذا أيْنَعَتْ يُسْتَحْصَدُ الثَّمَرُ
في ساحِها تَعْرِفُ الأجيالُ مَقْصدَها
ويُبْصَرُ الغَدُ والآمالُ تَزْدَهِرُ
أنا الكتابُ هُنا لا شيءَ يَخْلِفُني
إذا الرِّفاقُ عَنِ الإنْهالِ ما صَدَروا
فالعَقْلُ والعِلْمُ والتِّذكارُ يَعْرِفُني
والعَزْمُ والجُهْدُ والمِصْباحُ والسّهَرُ
إنّي الخَزينُ لِما تُبْنى العُقولُ بِهِ
والبابُ لِلْوِرْدِ مِشْراعٌ ومُنْشَهِرُ
ومَنْ أتانيْ لِزادِ العِلمِ يّنْشُدُهُ
فقد رَوَى رَفَهاً مِنْ حَيْثُ يَبْتَدِرُ (١)
لكنْ لِمَنْ قَرأَ المَكتوبَ عَنْ فَهَمٍ
وليْسَ مَنْ قَلَّبَ الأوْراقَ يَبْتَسرُ
أوْ عدَّ في الصّفحَاتِ افْتَرَّ يحْسِبُها
تَفاخُراً وانْتَشىٰ بالعَدِّ يَفتَخِرُ
في كلِّ قَلْبٍ أنا المَطْلوبُ إنْ غُرِسَتْ
بِهِ الفطانةُ أوْ حَفَّتْ بِهِ العِبَرُ
والنَّهْلُ عنْ ظَمَأٍ يرْوي الفؤادَ كما
يسْقي الحَنايا لكي يَنْمو بِها الشَّجَرُ
خُذْني بعيْنكَ يا تلْميذُ و امْنَحَني
عِزَّ الصّداقَةِ نَقْضِيها ونسْتَمِرُ
حتى يَشِعَّ الضُّحى فيما أتَيْتَ لهُ
وتَبْلُغَ الشّأْوَ فيما كُنْتَ تَصْطَبِرُ
ولنْ أُفارِقكَ الأيّامَ ما عَبَرتْ
بالعِلمِ نَبقى بما أبْقىٰ لنا العُمُرُ
أنا المُعَلِّمُ والإعْرابُ يُوسِعُني
بالرَفْعِ والمَدِّ ، والتّخْفيضُ مُقَتَصَرُ
أمّا السُّكونُ فلا عِنْدي لهُ سَكَنٌ
بينَ الفُصولِ لِيَ الرَّوْحاتُ والسَّفَرُ
عِنْدي الأمانةُ إذْ قُلِّدْتُها شَرَفاً
كالرُّسْلِ فَضْلاً وكالآباءِ يُعْتَبَرُ
رِسالةُ العِلْمِ مَضْموناً ومَسْطَرةً
حَمَلْتُها مُنْذُ قامَ الخَلْقُ والبَشَرُ
أَبيِتُ في اللّيلِ للتّصحيحِ أُنْجِزهُ
وأُكْمِلُ الجُهْدَ في التَّحْضيرِ أدَّكِرُ
لِطالبِ العِلْمِ ما يَجلو مَسائلَهُ
والكُلُّ في الصَّفِّ مَعْنِيٌّ ومؤتَثَرُ
أَمْضي على نَسَقٍ في الدَّرْسِ ألْزمُهُ
وغايةُ الفَهْمِ ما أبْغي وأنْتَظِرُ
ولا تُساوِمُني في الجَدِّ مَعْذِرَةٌ
إنْ جاءَ زَيْدٌ بِها أوْ مَنْ أتى عُمَرُ
الدَّهْرُ لي ما أضاءَتْ في السَّما شُهُبٌ
والعِلْمُ يمْلَؤني والنُّورُ والزُّبُرُ
أُسْتاذَنا ، يَشْهَدُ التلْميذُ ، كم سَمَقَتْ
مِنْكَ الفضائلُ ، والإحْسانُ يُدَّخَرُ
لكَ الوفاءُ فأنْتَ العَينُ ما نَظَرتْ
والرّاحُ ما رَسَمتْ والفِكْرُ يُعْتَصَرُ
نَحْنُ التلاميذُ إذْ جِئنا هُنا شَغَفاً
فليْسَ غَيْرُ العُلا يُرْجىٰ لنا وَطَرُ
وإنْ تُحَرِّكُنا الآمالُ ما كَبُرَتْ
فما بَغَيْرِ العَنا للفَوْزِ مُخْتَصَرُ
جِئنا إلى العِلْمِ والساعاتُ نَرْقُبُها
والوَقْتَ نَقْضي بما زانتْ بِهِ السِّيَرُ
ونَكْتبُ الأمْسَ قبْلَ اليومِ واجِبَنا
ونحْصُدُ الفَهْمَ بالإتْقانِ نَحْتَبِرُ
والْوالِدانِ لأجْلِ الفَوْزِ في لَهَفٍ
وبالنّجاحِ يُنالُ الفَوزُ والظَّفَرُ
والعِلْمُ نَطْلبُهُ فَرْضاً ونافِلَةً
بالعِلْمِ تَسْمو بِنا الأوطانُ والسُّرَرُ
يَدُ العُلومِ إذا طالتْ فلا أحَدٌ
يبْغي العَداوةَ يَأتينا ويَنْتَصِرُ
ونَحْنُ بالْعِلْمِ نَحْميها ونَحْرُسُها
نُبْلَ المَكارِمِ إذْ أوصى بها القَدَرُ
(١) رفَهَاً : تعبيرٌ عن الوفرة والخصب ،
وأصله للإبل تورد الماء متى تشاء لوجود الخصب .