( بحر : الطويل )
شعر : حمد الراشدي
مسقط
١٧ ذو الحجة ١٤٤٤ هـ - ٥ يوليو ٢٠٢٣ م
إذا ما النّدى في اليُسْرِ ساد وأسْعدا
فإنّ النّدى في العُسْرِ ساد المُسَوَّدا
وما بلَغَتْ أزْكى الفِعالِ سنامَها
إذا جيئ مِنْها ما اسْتهانَ وحُدِّدا
ومَنْ يطْلُبِ الأَفْضالَ يَقْصُدْ رِحابَها
ولا يقْصرِ الْآمالَ في ما تَجَلْمَدا
ويصْدُقُ في الإنسانِ رأيٌ ومَسْلكٌ
إذا هو بالإتْقانِ أوْفى وسدَّدا
يُنالُ بهِ الإنْجازُ أعْلٰى مَراتِباً
و تُرْقى ذُرى الأمْجادِ شأناً ومَشْهدا
ويَأْتي جَنى الإتْقانِ مِنْ رَحِمِ الشّقا
ومَنْ بسوى الشَّقْواتِ أَمْسى مُمَجَّدا ؟
ويَفْضُلُ في الأخلاقِ فيْضُ سماحةٍ
ويَفْضُلُ في الأفعالِ ما قد تَجدَّدا
عرَفْتُ مِنَ الأصحابِ مَنْ ذا يحوزُها
مكارِمَ أخلاقٍ وجالَ وكابَدا
" أبو غالبٍ " نِعْمَ الصّديقُ ومعْشَرٌ (١)
لهُ الجانِبُ المحْمودُ أصْلاً ومَحْتَدا
يُلاقيكَ بالحِلْمِ اغْتَناهُ رَجاحةً
ويُصْفي إليْكَ الوُدَّ بَدْءًا ومَقْصدا
لهُ في الوفا عزْمُ الهُداةِ وسَعْيُهم
ولِلْجَبْرِ والتَّقْريبِ طافَ وأرْشَدا
تَزينُ بهِ الأفكارُ رأياً وحِكْمةً
وعن كُلِّ فُحْشِ القولِ راغَ وأبْعدا
ومِنْ " آلِ عيسى " إذْ يَعودُ أَرومةً
هُناك على سَفْحِ " الْغُضَيْفَةِ " أَوْردا (٢)
وما خَبَرَ الأيّامَ إلاَّ مُناكِفاً
لكُلِّ الصِّعابِ الجانِحاتِ على المَدى
وسافرَ في الآفاقِ يَبْغي بها العُلا
وما عاد إلاّ بالْمعارِفِ زُوِّدا
يَميلُ بهِ الإنْصاتُ صَوْبَ عُروبةٍ
ويُمْلي على الكُتَّابِ ضاداً وأبْجَدا
وفي خِدْمةِ الأوْطانِ سارَ مُنافِحاً
بصُحْبةِ عَزْمٍ للصّلاحِ مُجَرَّدا
وقَلَّدَهُ السّلطانُ عقْدَ أمانةٍ
تَحَمَّلَها جُهداً وصِدْقاً تَعوَّدا
ولِلأَدَبِ الضافي شَغوفٌ وحافظٌ
ولِلشِّعْرِ ديوانٌ يَبوحُ مُرَدِّدا
ودامَ صُحاريِّاً سَداهُ ولُحْمَةً
ومِنْها " صُحارٍ " للمعارِجِ يُبْتَدا
كذا هِيَ ظلَّتْ في العُصورِ تَتابَعَتْ
مَنارةَ آدابٍ وحُكْمٍ ومسْجِدا
" مَجَانٌ " بها أثْرَتْ رَكازَ حضارةٍ (٣)
إلى " الرّافِديْنِ " الْقِطْرُ سِيقَ مُنَضَّدا
بعهْدِ "الجُلَنْدَى " إذْ تَنَعَّمَتِ الهُدى (٤)
لها النَّصْرُ واتىٰ والعُصاةَ فَشَرَّدا
تَحلُّ على البَحْرِ الكريمِ بخيرهِ
ومِنْها شِراعُ المَجْدِ جابَ مُمَّددا
سفائنُها سارتْ تَعُجُّ بضاعةً
ولِلعلْمِ جاءَ القاصدونَ تَزَوُّدا
هُنا ابْنُ " دُرَيْدٍ " عاد تحتَ سَمائِها (٥)
فيَنْظُمُها " مَقْصورةً " عَظُمَتْ صَدىٰ
بها ظهَرتْ " لِلعُوتَبِيِّ " " إِبانَةٌ " (٦)
كتابٌ له الفُضْلى بياناً ومَوْرِدا
يضَمُّ صُنوفاً من علومٍ وشَرْحَها
وحَسْبَ حُروفِ الْمُعْجمِ انْخَطَّ واقْتَدى
صُحارٌ هي التّاريخُ عاصمةٌ ولَمْ
تَزَلْ تَزِنُ الأمْصارَ تِبْراً وعَسْجَدا
وما بَخِلِتْ يوْماً بما هو أهْلُها
صِناعةُ أمْجادٍ تُصانُ وتُفْتَدى
فكَمْ حَمِيَتْ ساحاتُها واعْتَلى الوغىٰ
وهُبَّ على وقْعِ القنا وانْصَلى العِدا
لها وَمِنَ الأيّامِ بِيِضٌ وأحْمَرٌ
وما فَرِغتْ حتىّ السّلامَ تَجسَّدا
و " لِلْبُوسَعيديِّ " الذي كان والياً (٧)
وثُمَّ إماماً " أحْمداً " ما تَخلَّدا
فقامَ بها يُرْسي النِّظامَ قواعداً
هيَ العدْلُ مَتْبوعاً أماناً تَوَلَّدا
هنا " أحْمدٌ " جَزَّ الخِلافَ نجاعةً
وقد حرَمَ الأعداءَ زاداً تَبَدَّدا
وراحَ على نَهْجِ السُّعاةِ يُقيمُهُ
أساساً وتَمْكيناً وحُكْماً تَرَشَّدا
تصَدّى لتطْهيرِ البلاد مِنَ العِدا
وشَدَّ لتوْحيد الصُّفوفِ على الهُدى
وجاد له التَّدْبيرُ فيه براعةٌ
وما تركَ الأوضاعَ هُمْلاً ولا سُدى
وقاد إليْهِ طاعةَ النّاسِ جودُهُ
وبالحَزْمِ والبْذلِ السّخيِّ تَعَضَّدا
بِ "أحْمَدَ " إذْ طالتْ " عُمانُ " جِبالُها
فجاءَتْ لها الدَّوْلاتُ تُبْدي تَوَدُّدا
وكان أعانَ " التُّرْكَ " في كسْرِ قَيْدِهم (٨)
مِنَ "الفُرْسِ" في "الشَّطِّ " الذي عاد مُزْبِدا
وأَضحتْ " عُمانٌ " بالمَهابةِ تُخْتَشى
لها الجانبُ المَرْموقُ دَهْراً تَشَيَّدا
ولِلْبوسعيديِّ اسْتقرَّتْ حكومةٌ
وضجَّتْ صحارٌ بالحِراك تَعَدَّدا
وقد شهِدتْ تأْسيسَ سَلْطَنةٍ لها
إلى يَوْمِنا حِفْظٌ مِنَ الله أُيِّدا
١- هو الشيخ أحمد بن محمد العيسائي رئيس مجلس
الشورى في عهد جلالة المغفور له السلطان قابوس ،
وكان قبلها مستشاراً للدولة ووزيراً للشؤون الإجتماعية
والعمل .
٢- الغُضيفة من قُرى الحَجَر في ولاية صُحار .
٣- مَجَان من أسماء عمان التاريخية .
٤- الجُلَنْدى : حُكّام عمان قُبَيْل وبعد ظهور الإسلام .
٥- إبن دُرَيْد : الأديب الجامع أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد ،
ولد في البصرة من أصولٍ عمانية وانتفل الى عُمان قبل ان يعود الى البصرة .
له المقصورة الشعرية الشهيرة .
٦- العُوتَبي : العلّامة سلمة بن مسلم العوتبي مؤرخ ولغوي ،
من قرية عوتب بولاية صحار ، ابرز مؤلفاته كتاب الإبانة
وهو مصَنَّفٌ لغوي في اربعة مجلدات وكتاب الأنساب .
٧- البوسعيدي : هو الإمام أحمد بن سعيد مؤسس الدولة البوسعيدية في عمان عام ١٧٤٧ م .
٨- نصرة الإمام أحمد للخليفة العثماني وقيام السفينة العمانية
بكسر السلسلة التي سدّ بها الصفويّون شَطّ العرب ، فيما عُرِف بحصار البصرة .